اهتم أهل السنة والجماعة واعتنوا بجمع خصائص النبي ـ صلى
الله عليه وسلم ـ ، وإبراز فضائله وحسن أخلاقه ، فلم يخل كتاب من كتب
السنة من ذكر مآثره ، كما أُفردت كتب مستقلة للحديث عنه وعن سيرته وشمائله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ ، مما يدعو كل مسلم أن يعظمه ويوقره ، قال الله
تعالى : { إِنَّا
أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلاً } (الفتح:9: .
يقول ابن القيم :
" ومما يُحْمد عليه - صلى الله عليه وسلم - ما جبله الله عليه من مكارم
الأخلاق وكرائم الشيم ، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه - صلى الله عليه وسلم -
علم أنها خير أخلاق الخلق ، وأكرم شمائل الخلق ، فإنه - صلى الله عليه
وسلم - كان أعظم الخلق ، وأعظمهم أمانة ، وأصدقهم حديثاً ، وأجودهم وأسخاهم
، وأشدهم احتمالاً ، وأعظمهم عفواً ومغفرة ، وكان لا يزيد شدة الجهل عليه
إلا حلماً ، كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو ـ
رضي الله عنهما ـ أنه قال في صفة رسول الله في التوراة : " محمد عبدي
ورسولي ، سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ، ولا يجزي
بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء ،
بأن يقولوا لا إله إلا الله، وأفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا "
. وأرحم الخلق وأرأفهم بهم ، وأعظم الخلق نفعاً لهم في دينهم ودنياهم ،
وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبيراً عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة
الدالة على المراد ، وأصبرهم في مواطن الصبر ، وأصدقهم في مواطن اللقاء ،
وأوفاهم بالعهد والذمة ، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه ، وأشدهم
تواضعاً ، وأعظمهم إيثاراً على نفسه ، وأشد الخلق ذبَّاً عن أصحابه ،
وحماية له ، ودفاعاً عنهم ، وأقوم الخلق بما يأمر به ، وأتركهم لما ينهى
عنه ، وأوصل الخلق لرحمه " .
ومن أسباب تعظيم الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
تعظيم الله ـ عز وجل ـ له ، حيث أقسم بحياته في قوله تعالى : { لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ }(الحجر: 72)، كما أثنى عليه فقال: { وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم: 4)، وقال: { ورَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }(الشرح: 4) ، فلا يُذكر بَشَر في الدنيا ويثنى عليه كما يُذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويثنى عليه .
ومنها : أن من شروط إيمان العبد أن يعظم النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال - تعالى - : {
إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا
بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وأَصِيلاً }(الفتح 8 : 9) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول: " إن قيام المدحة والثناء عليه ، والتعظيم والتوقير له ، قيام الدين كله ، وسقوط ذلك سقوط الدين كله ".
ومن أسباب تعظيمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذلك ما ميزه الله - تعالى - به -
من شرف النسب ، وكرم الحسب ، وصفاء النشأة ، وأكمل الصفات والأخلاق
والأفعال ، وما تحمله - صلى الله عليه وسلم - من مشاق نشر الدعوة ، وأذى
المشركين بالقول والفعل حتى أتم الله به الدين وأكمل به النعمة .
تعظيم الصحابة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
لما نال الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - شرف لقاء وصحبة النبي - صلى
الله عليه وسلم -، كان لهم النصيب الأوفى من توقيره وتعظيمه مما سبقوا به
غيرهم ، ولم ولن يدركهم أحد من بعدهم .. وأجمل من وصف شأنهم في ذلك عروة بن مسعود الثقفي -
رضي الله عنه ـ حين فاوض النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية ،
فلما رجع إلى قريش قال : " أي قوم ! والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على
قيصر وكسرى والنجاشي
، والله إنْ رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا ، والله
إن تنخمَّ نخامةً إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا
أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا
أصواتهم عنده، وما يحدُّون النظر إليه تعظيما له .." رواه البخاري .
إن الأمر بتعظيم وتوقير النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني أن ذلك عبادة ،
ومن ثم فالسؤال الذي يطرح نفسه : كيف نعظم الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ؟
إن من أجَّل وأعظم صور توقير الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ الاقتداء به
واتباعه ، فمتابعته - صلى الله عليه وسلم - هي مقتضى الشهادة بأن محمداً
رسول الله ، ولازم من لوازمها ، إذ معنى الشهادة له بأنه رسول الله حقاً ـ
كما يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب : " طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وأن لا يُعْبد الله إلا بما شرع " .
وهذا من كمال التعظيم والتوقير ، إذ أي تعظيم أو توقير للنبي - صلى الله
عليه وسلم - لدى من شك في خبره ، أو استنكف عن طاعته ، أو ارتكب مخالفته ،
أو ابتدع في دينه ، وعَبَد اللهَ من غير طريقه ؟! ، ومن ثم قال ـ صلى الله
عليه وسلم ـ : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد(مردود عليه) ) رواه مسلم .
ومن صور تعظيم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
الثناء والصلاة عليه ، والتأدب عند ذ كره - صلى الله عليه وسلم - بأن لا
يذكر باسمه مجرداً ، بل يوصف بالنبوة أو الرسالة ، والإكثار من ذكره ،
والشوق لرؤيته ، وتعداد فضائله وخصائصه ، ومعجزاته ودلائل نبوته ، وتعريف
الناس بسنته وتعليمهم إياها ، وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه ، وذكر
صفاته وأخلاقه وخلاله ، وما كان من أمور دعوته وسيرته وغزواته ..
ومتى كان تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - مستقراً في القلب ، فإن آثار
ذلك ستظهر على الجوارح واللسان حتماً لا محالة ، حيث يجري اللسان بمدحه
والثناء عليه وذكر محاسنه ، وترى باقي الجوارح ممتثلة لما جاء به ومتبعة
لشرعه وأوامره ، ومؤدية لمالَه من الحق والتكريم ، وذلك كله في حدود
المشروع ، وسطاً بين الجفاء وبين الغلو.
ومن صور التعظيم للحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعظيم ما جاء به من الشريعة
المتضَّمَنَة في الكتاب والسنة كما فهمها سلف الأمة ، وذلك باتباعها
والتزامها قلباً وقالباً ، وتحكيمها في كل مناحي الحياة ، وشؤونها الخاصة
والعامة ، فإن هذا هو مقتضى التعظيم الحقيقي ، والتوقير الصادق للحبيب ـ
صلى الله عليه وسلم ـ .
ولذا قدم الله - عز وجل ـ هذه الصورة من صور تعظيمه ، وهذا الأدب على سائر
الآداب الواجبة معه - صلى الله عليه وسلم - ، فنهى عن التقدم بين يديه بأمر
دون أمره ، أو قول دون قوله ، فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (الحجرات: 1) .
ومن ثم فأسعد الناس حظاً بتعظيمه ، وأقربهم إلى الشرب من حوضه ، هم من أحيوا سنته واتبعوا شريعته وهديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
إن ادعاء تعظيم الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينبغي ترجمته باتباعه ،
والاقتداء بأفعاله ومواقفه ، التي عاشها في العسر واليسر ، وفي الرضا
والغضب ، والفقر والغنى ، والفرح والحزن ، وحين أدبرت عنه الدنيا ، وحين
كانت تقبل عليه ، بل في حياته كلها ، قال الله تعالى : {
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ
يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) ..
نسأل
الله تعالى أن يجعلنا من المعظمين لرسولنا - صلى الله عليه وسلم ـ
المتبعين لسنته ، وأن يحشرنا في زمرته ، ويسقينا من يده الشريفة شربة لا
نظمأ بعدها أبدا ..
الله عليه وسلم ـ ، وإبراز فضائله وحسن أخلاقه ، فلم يخل كتاب من كتب
السنة من ذكر مآثره ، كما أُفردت كتب مستقلة للحديث عنه وعن سيرته وشمائله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ ، مما يدعو كل مسلم أن يعظمه ويوقره ، قال الله
تعالى : { إِنَّا
أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلاً } (الفتح:9: .
يقول ابن القيم :
" ومما يُحْمد عليه - صلى الله عليه وسلم - ما جبله الله عليه من مكارم
الأخلاق وكرائم الشيم ، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه - صلى الله عليه وسلم -
علم أنها خير أخلاق الخلق ، وأكرم شمائل الخلق ، فإنه - صلى الله عليه
وسلم - كان أعظم الخلق ، وأعظمهم أمانة ، وأصدقهم حديثاً ، وأجودهم وأسخاهم
، وأشدهم احتمالاً ، وأعظمهم عفواً ومغفرة ، وكان لا يزيد شدة الجهل عليه
إلا حلماً ، كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو ـ
رضي الله عنهما ـ أنه قال في صفة رسول الله في التوراة : " محمد عبدي
ورسولي ، سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ، ولا يجزي
بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء ،
بأن يقولوا لا إله إلا الله، وأفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا "
. وأرحم الخلق وأرأفهم بهم ، وأعظم الخلق نفعاً لهم في دينهم ودنياهم ،
وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبيراً عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة
الدالة على المراد ، وأصبرهم في مواطن الصبر ، وأصدقهم في مواطن اللقاء ،
وأوفاهم بالعهد والذمة ، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه ، وأشدهم
تواضعاً ، وأعظمهم إيثاراً على نفسه ، وأشد الخلق ذبَّاً عن أصحابه ،
وحماية له ، ودفاعاً عنهم ، وأقوم الخلق بما يأمر به ، وأتركهم لما ينهى
عنه ، وأوصل الخلق لرحمه " .
ومن أسباب تعظيم الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
تعظيم الله ـ عز وجل ـ له ، حيث أقسم بحياته في قوله تعالى : { لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ }(الحجر: 72)، كما أثنى عليه فقال: { وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم: 4)، وقال: { ورَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }(الشرح: 4) ، فلا يُذكر بَشَر في الدنيا ويثنى عليه كما يُذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويثنى عليه .
ومنها : أن من شروط إيمان العبد أن يعظم النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال - تعالى - : {
إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا
بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وأَصِيلاً }(الفتح 8 : 9) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول: " إن قيام المدحة والثناء عليه ، والتعظيم والتوقير له ، قيام الدين كله ، وسقوط ذلك سقوط الدين كله ".
ومن أسباب تعظيمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذلك ما ميزه الله - تعالى - به -
من شرف النسب ، وكرم الحسب ، وصفاء النشأة ، وأكمل الصفات والأخلاق
والأفعال ، وما تحمله - صلى الله عليه وسلم - من مشاق نشر الدعوة ، وأذى
المشركين بالقول والفعل حتى أتم الله به الدين وأكمل به النعمة .
تعظيم الصحابة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
لما نال الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - شرف لقاء وصحبة النبي - صلى
الله عليه وسلم -، كان لهم النصيب الأوفى من توقيره وتعظيمه مما سبقوا به
غيرهم ، ولم ولن يدركهم أحد من بعدهم .. وأجمل من وصف شأنهم في ذلك عروة بن مسعود الثقفي -
رضي الله عنه ـ حين فاوض النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية ،
فلما رجع إلى قريش قال : " أي قوم ! والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على
قيصر وكسرى والنجاشي
، والله إنْ رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا ، والله
إن تنخمَّ نخامةً إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا
أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا
أصواتهم عنده، وما يحدُّون النظر إليه تعظيما له .." رواه البخاري .
إن الأمر بتعظيم وتوقير النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني أن ذلك عبادة ،
ومن ثم فالسؤال الذي يطرح نفسه : كيف نعظم الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ؟
إن من أجَّل وأعظم صور توقير الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ الاقتداء به
واتباعه ، فمتابعته - صلى الله عليه وسلم - هي مقتضى الشهادة بأن محمداً
رسول الله ، ولازم من لوازمها ، إذ معنى الشهادة له بأنه رسول الله حقاً ـ
كما يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب : " طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وأن لا يُعْبد الله إلا بما شرع " .
وهذا من كمال التعظيم والتوقير ، إذ أي تعظيم أو توقير للنبي - صلى الله
عليه وسلم - لدى من شك في خبره ، أو استنكف عن طاعته ، أو ارتكب مخالفته ،
أو ابتدع في دينه ، وعَبَد اللهَ من غير طريقه ؟! ، ومن ثم قال ـ صلى الله
عليه وسلم ـ : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد(مردود عليه) ) رواه مسلم .
ومن صور تعظيم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
الثناء والصلاة عليه ، والتأدب عند ذ كره - صلى الله عليه وسلم - بأن لا
يذكر باسمه مجرداً ، بل يوصف بالنبوة أو الرسالة ، والإكثار من ذكره ،
والشوق لرؤيته ، وتعداد فضائله وخصائصه ، ومعجزاته ودلائل نبوته ، وتعريف
الناس بسنته وتعليمهم إياها ، وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه ، وذكر
صفاته وأخلاقه وخلاله ، وما كان من أمور دعوته وسيرته وغزواته ..
ومتى كان تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - مستقراً في القلب ، فإن آثار
ذلك ستظهر على الجوارح واللسان حتماً لا محالة ، حيث يجري اللسان بمدحه
والثناء عليه وذكر محاسنه ، وترى باقي الجوارح ممتثلة لما جاء به ومتبعة
لشرعه وأوامره ، ومؤدية لمالَه من الحق والتكريم ، وذلك كله في حدود
المشروع ، وسطاً بين الجفاء وبين الغلو.
ومن صور التعظيم للحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعظيم ما جاء به من الشريعة
المتضَّمَنَة في الكتاب والسنة كما فهمها سلف الأمة ، وذلك باتباعها
والتزامها قلباً وقالباً ، وتحكيمها في كل مناحي الحياة ، وشؤونها الخاصة
والعامة ، فإن هذا هو مقتضى التعظيم الحقيقي ، والتوقير الصادق للحبيب ـ
صلى الله عليه وسلم ـ .
ولذا قدم الله - عز وجل ـ هذه الصورة من صور تعظيمه ، وهذا الأدب على سائر
الآداب الواجبة معه - صلى الله عليه وسلم - ، فنهى عن التقدم بين يديه بأمر
دون أمره ، أو قول دون قوله ، فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (الحجرات: 1) .
ومن ثم فأسعد الناس حظاً بتعظيمه ، وأقربهم إلى الشرب من حوضه ، هم من أحيوا سنته واتبعوا شريعته وهديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
إن ادعاء تعظيم الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينبغي ترجمته باتباعه ،
والاقتداء بأفعاله ومواقفه ، التي عاشها في العسر واليسر ، وفي الرضا
والغضب ، والفقر والغنى ، والفرح والحزن ، وحين أدبرت عنه الدنيا ، وحين
كانت تقبل عليه ، بل في حياته كلها ، قال الله تعالى : {
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ
يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) ..
نسأل
الله تعالى أن يجعلنا من المعظمين لرسولنا - صلى الله عليه وسلم ـ
المتبعين لسنته ، وأن يحشرنا في زمرته ، ويسقينا من يده الشريفة شربة لا
نظمأ بعدها أبدا ..